+ A
A -
من دوحة العروبة.. وقطر الشموخ، من هنا من وطن الصمود والصعود، نحييكم يا إخوتنا العرب والمسلمين في كل أرجاء المعمورة، ونزف لكم التهاني القلبية بمناسبة عيد الفطر السعيد سائلين المولى عز وجل أن يديم الأمن والأمان والسلام على جميع الأوطان وأن يعين الأمة على تجاوز أزماتها وأن يرزقها البطانة الصالحة القادرة على تغليب المصلحة العليا على المصالح الفردية والفئوية، وأن يبعد عنها كل من يعمل ضد شعوبها، ويتآمر عليها، بالخفي والعلن، بالفساد والرشى، بالتجسس والتلصص، وبكل وسيلة أو حيلة للوصول لأهدافه المريضة..!
ونفيدكم بأننا هنا في دوحة المحبة قد عشنا أجواء العيد السعيد بطريقة فريدة، تؤكد على خصوصية هذا الشعب وتفرد هذه القيادة، بصفات عديدة أبرزها الحكمة والصبر والوفاء والولاء والإرادة.
فقد كان كل متر مربع من هذه الأرض عبارة عن رسالة في حب الوطن وقائده «تميم المجد»، إذ تحولت البلاد بطولها وعرضها إلى منصة إشعاع ولوحة إبداع، رسمها المواطن والمقيم ليثبتوا للجميع أن قطر عصية على الحصار ولا تخضع أو تخنع مهما كان نوع التهديد أو الوعيد، لكنها في نفس الوقت تحترم الجار وترحب بلغة العقل والحوار.. بعكس تصرفاتهم وإجراءاتهم التي لا تصدر من الدول الكبار، ولا تليق إلا بفكر متهور حماسي على طريقة «التفحيط السياسي»..!
وكم كنت أتمنى أن يكون هناك نقل مباشر في قناة «الجزيرة» صوت الملايين و«سوط» للاستبداديين، حتى يرى العالم مظاهرة الحب الكبرى والكرنفال الشعبي المهيب الذي تشكل بكل عفوية وتلقائية للتعبير عن الولاء والانتماء لهذه الأرض والارتباط الوثيق بقيادته وحكومته، في ملحمة وطنية تكتب بماء الذهب وتصدّر لدول الحصار والاستفز از والابتزاز ليعلموا أن قطر إذا لجأت لها فهي كعبة المضيوم..
وإذا أردت انتقاص سيادتها فهي «عظم في البلعوم».. أمس وغدا.. واليوم.
فهذه مبادئ ثابتة لا تتزعزع ومكتوبة في الخطاب الرسمي الأول لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، في يوم توليه مقاليد الحكم في البلاد.. إذ قال:
«نحن قوم نلتزم بمبادئنا وقيمنا لا نعيش على هامش الحياة ولا نمضي تائهين بلا وجهة ولا تابعين لأحد ننتظر منه توجيها».
لذلك من المناسب أن ندعو دول الحصار إلى تأمل المشهد القطري يوم أمس في أول أيام عيد الفطر السعيد، لـ «يكحلوا» عيونهم ويمتعوا أنظارهم بكل معاني حب الوطن وقيادته والدفاع عن قراره وسيادته.
فكل ما قاموا به في «الحملة الشيطانية» التي تصادفت مع شهر رمضان المبارك، الذي أنزل فيه القرآن الكريم، وتضمنت أبشع الصفات وأردأ المستويات في التعامل والحوار حول هذه القضية المفتعلة، والأزمة المشتعلة، مستخدمين فيها جميع الأساليب والألاعيب، بهدف استفزاز قطر والتضييق على شعبها معتقدين أن هذه «الحزمة» من الإجراءات وهذه «الرزمة» من القرارات ستحدث «الصدمة والترويع»، مما سيجعله يقبل بـ «التركيع».. لكن المفاجأة الكبرى أنهم خسروا هذه الجولة وصمدت قطر وتفوقت بشهادة الجميع.
نعم كان الهدف، من هذه الإجراءات وتحديدا في الحصار وغلق الأجواء والحدود وقطع الأرحام والتضييق على المعتمرين في بيت الله الحرام، أن يتململ الشعب وينزعج، لكن الصفعة الأخرى أن المجتمع بكل شرائحه.. وطبقاته.. ومستوياته، انصهر في بوتقة واحدة وانسجم بقناعاته وإرادته مع قيادته ليصبح الوطن كتلة صلبة.. وصعبة.
لم يحتاج الشعب إلى ترغيب أو ترهيب، ليأخذ مواقفه أو يعرب عن تعاطفه فهو حر غير مقيّد أو محيّد، يستطيع أن يقول ويكتب ويغرّد دون أن «يكلبش» ويرمى في السجن 15 سنة أو يغرّم بالملايين كما هي القوانين القرقاوشية في دول الحصار..!
وعيدنا أمس كان استثنائيا وتاريخيا في نفس الوقت، فبالإضافة إلى كونه قد جاء في ظروف سياسية ساخنة تقاوم فيها البلاد مؤامرة للسيطرة على سيادتها وقرارها الوطني، وتكبح جماح الموتورين والمراهقين والمنافقين الذين جعلوا من الهجوم على قطر ممرا لمصالحهم وأغراضهم، فانكشفت نواياهم وأمراضهم.. بحثا عن مكاسب بطرق مختصرة وسريعة.. وما أسوأها من صنيعة!
المناسبة الثانية الغالية على قلوبنا والتي تصادفت مع يوم العيد.. ليصبح في نظرنا «عيدين»، هي ذكرى تولي حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، ونصره وسدد خطاه، مقاليد الحكم.
ولا شك أن الآلاف المؤلفة التي توافدت على قصر الوجبة للسلام على سموه مع شروق شمس العيد، كانت تمثل كل أهل قطر، بل جميع الأحرار والشرفاء في العالم من مؤيديها ومحبي قائدها الشاب الشهم الذي يرفض الأجندات الخبيثة في المنطقة ويناصر الشعوب ويدعو لتحقيق كرامتها وعزتها.
وهذه المواقف الثابتة جعلت لقطر رصيدا شعبيا ضخما حول العالم، كما أن دبلوماسيتها المميزة طوال السنوات الماضية برزت نتائجها في هذه الأزمة، فرغم أن قطر وحدها في مواجهة دول كبيرة في المساحة والعدد والتاريخ، لكن كفتها كانت الأرجح في الدبلوماسية لدى المجتمع الدولي وأغلبهم أعرب عن رفضه للحصار وأكد وجهة نظرنا بأن الحل هو الحوار.
لذلك مقتنعين تماما أن حكومتنا ستقوم بالرد المناسب على مطالب دول الحصار بما يتوافق مع المنطق والاحترام، دون انتقاص من سيادة أو قرار وطني، مع العلم أن قطر دائما ترحب بالحوار لأنه الوسيلة الوحيدة التي تفك الرموز والألغاز، وتبدد علامات التعجب والاستفهام وتبدل الحيرة والتردد بالخبر اليقين والمؤكد.. فيرتاح من في قلبه خوف ومن في عقله وسواس.. ومن في مخيلته «فوبيا»..!
وعلى طاري قائمة مطالب دول الحصار، التي تم تداولها في بعض وسائل الإعلام المحسوبة عليهم، ومواقع التواصل الاجتماعي، اعتقدت للوهلة الأولى أنها «نكتة».. ومن النوع السامج أو الساذج، وظننت أن الموضوع له علاقة بـ «المعجزة والمطنزة» الذي أشعل تويتر بشباصاته، أو ربما بإحدى حلقات سيلفي بقيادة الممثل الجمبازي، وليس الشمبانزي، الذي يتنطط بين الأدوار.. تارة يهاجم العلماء.. وتارة يتشبه بالنساء.. وليس بغريب عليه إذ إنه عاق لوطنه.. وساقط في فنه!
أما لماذا سخرنا من هذه القائمة ولم نعطها احتراما أو اهتماما، لأنها وببساطة تتناقض والقانون الدولي بشكل صارخ، وفيها الكثير من الصراخ، وتتقاطع مع الحقائق الماثلة للجميع على الأرض..!
ولم نصدق أنها حقيقية، إلى أن تداولتها وسائل الإعلام العالمية، ومنها رويترز، نقلا عن مسؤول بإحدى دول الحصار.. مواصلا مسلسل التسريب والتهريب، في ظل مساعيهم للتخريب.. بيد أن النشر بهذه السرعة والطريقة انعكس سلبا عليهم، كما هو الحال في معظم خطواتهم التي اتخذوها بأسلوب فوضوي، وبسيناريو هزيل، وعروض مخجلة، ترفضها الدول المتقدمة والشعوب المتحضرة..!
ورغم ذلك قامت قطر بكل رقي باستقبالها، وأعلنت أنها ستدرسها وترد عليها، احتراما وتقديرا لجهود الوساطة الكويتية، رغم أن الورقة واضح أنها مكتوبة بسيمفونية دحلانية.. وبنكهة «الرز» والمهلبيّة، وفيها جهل بالقوانين والأعراف.. كما أنها تحتوي عبارات مثل «الخ»، وهذا لايليق بوثيقة رسمية.. وكأن محررها قد صاغ بنودها وهو جالس في قهوة ليالي الحلمية!
وتثبت قطر يوما بعد يوم أنها مدرسة في القيم والمبادئ، فعلى الرغم من الأزمات التي مرت طيلة السنوات السابقة، إلا أن عدم المس بمصالح الشعوب هو المبدأ الثابت والراسخ في سياستنا، ورغم الاتهامات الزائفة، والحملات الإعلامية الساقطة، إلا ان قطر توفي بالتزاماتها، وملتزمة بثوابتها، فخط الأنابيب البحري، والذي تديره شركة دولفين للطاقة، يمتد على مسافة 364 كيلو مترا من راس لفان إلى ابوظبي في الإمارات، وما بعدها إلى عمان. ويحمل خط الأنابيب نحو ملياري قدم مكعبة من الغاز يوميا، وأغلب هذه الكمية تلبي نحو 30% من احتياجات الإمارات من الطاقة، وحسب ما تم تسريبه من معلومات، فإن الإمارات تدفع أقل بكثير من سعر السوق الحالي، ورغم ذلك لم تعمل قطر على إيقاف هذا الضخ من الغاز، فلا يمكن اتخاذ قراراتنا بناء على مشاعرنا، مثلما صرح سعادة وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، مضيفا أن هناك قواعد ولوائح ونحن ملتزمون بها.. أو كما قال السيد شريدة الكعبي الرئيس التنفيذي لقطر للبترول:
«قطر تتعامل بأخلاقها وليس بعقودها».
كما أن المواطنين من دول المقاطعة يحظون بتعامل راق، ويعيشون حياة طبيعية دون المساس بهم، ولاشك أن هذا المستوى الأخلاقي يؤكد بما لايجعل مجالا للشك أن قطر تعطي دروسا في المراجل، من خلال عدم الخلط بين الخلافات السياسية وحياة الشعوب التي تحظى باهتمام بالغ من قبل القيادة الحكيمة والرشيدة.. لذلك هي تعبر المراحل بسياسة متزنة وقواعد ثابتة.
ونختم باستذكار مقطع فيديو تم تداوله قبل فترة قصيرة لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وهو يقوم بواجب العزاء لإحدى الأسر القطرية، حيث قال سموه في مجلس العزاء على هامش الحديث: «ابشروا بالعز والخير».
وهذا ما جعل المغردين ينشئون هاشتاقا لذلك، معبرين عن تلاحمهم وتكاتفهم وتعاضدهم مع الوطن، مستشهدين ببيت للمؤسس- رحمه الله:
‏صبرنا لها ما زعزع الدهر عزمنا..
‏ونلنا بها العليا على كل طايل
كما رددوا بيتا آخر لأحد الشعراء للتعبير عن حبهم والتفافهم حول قائدهم:
لك الولاء بعروق شعبك يالامير
اضرب بنا عرض البحور وطولها
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
copy short url   نسخ
26/06/2017
9208