+ A
A -
بقلوب متعطشة ومشاعر متلهفة لكل ما يرفع من مكانة الأمة، ويعلي شأنها ويزيد احترامها، استقبل العرب والمسلمون كلمات البرلماني العروبي، مرزوق بن علي بن ثنيان الغانم، رئيس مجلس الأمة الكويتي، في الجلسة الختامية لمؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في مدينة سانت بطرسبرغ بروسيا الاتحادية، على خلفية موضوع النواب الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والتي توجها بطلبه للوفد الإسرائيلي بمغادرة القاعة ونعته لهم بقتلة الأطفال.
فهذا «العِلم الغانم» يليق بمرزوق، قياساً بمسيرته وعطفاً على تاريخه، فهو- مهما اختلفنا أو اتفقنا حول محطات من عمله السياسي والبرلماني- يبقى شخصية وطنية بامتياز، منذ انطلاقته في مجلس الأمة عام 2006 عبر كتلة العمل الوطني، وما يحققه من نتائج ساحقة من الناخبين جعل له شعبية جارفة نظير مواقفه، فهو وفي لديرته ومنطقته وأمته في زمن كثر فيه الخيانة والخذلان والمؤامرات على قضية العرب المركزية ومقدسات المسلمين.
واستحق الغانم إشادة أمير دولة الكويت وقائد الإنسانية، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي بعث ببرقية عاجلة قال فيها:
«تابعنا بكل الاهتمام والتقدير ردكم الحازم على رئيس وفد الكنيست الإسرائيلي وتصديكم له في الجلسة الختامية لمؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا الاتحادية».
وأضاف أمير الكويت: «نشيد بهذا الموقف المشرف الذي كان محل تقدير ممثلي الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة المحبة للسلام في هذا البرلمان الدولي والذي يجسد جلياً موقف دولة الكويت الداعم للأشقاء الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم المشروعة ونصرة قضيتهم العادلة».
وقلناها مراراً وتكراراً: إن الدول لا تُقاس بمساحاتها، أو عدد سكانها، وإنما بمبادئها ومواقفها، والحق لا يُعرف بالرجال، إنما الرجال هم من يُعرفون بالحق، كما قال علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه.
وقد كنا في العالم العربي، في اشتياق إلى كلمة حق في وجه الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً ونحن على أعتاب مرحلة البيع البخس للقضية الفلسطينية، وحقبة التطبيع الرخيص مع المحتل الذي يجثم على أرضنا العربية، ويعمل قتلاً وتنكيلاً في أشقائنا، دون رادع عالمي، أو موقف عربي، رافض لهذا الإجرام، إلا من بعض الدول التي مازالت تتمسك بالشرف والاحترام، وفي مقدمتها قطر وبكل عز وفخر.
صوت الغانم.. أو زئيره.. قل نظيره في وجه ممثلي دولة الاحتلال،
كانت حروفه الهادرة والثائرة تشكّل كلمة حق مدوية، قالها بثقة وقوة وشجاعة، وأيقظ بها كل عربي ومسلم، من سباته وزادت من ثباته في وجه المهرولين والمطبعين، من «المتصهينين العرب».
فعندما هتف الغانم بالحق غاضباً، قائلاً: إن كلام ممثل هذا البرلمان المغتصب ينطبق عليه المثل المعروف عالمياً: إن لم تستح فافعل ما شئت، معتبراً ما جاء على لسانه بأنه يمثل أخطر أنواع الإرهاب وهو إرهاب الدولة، فإنما كان يعبر عن 400 مليون عربي..
وعندما قال رئيس مجلس الأمة الكويتي، لرئيس الوفد الإسرائيلي: «عليك أن تحمل حقائبك وتخرج من هذه القاعة بعد أن رأيت ردة الفعل من كل البرلمانات الشريفة بالعالم.. اخرج الآن من القاعة إن كانت لديك ذرة من الكرامة.. يا محتل يا قاتل الأطفال». فإنما كان يجسد صرخة هذه الملايين في وجه الظلم، ويخرج ما في قلوبهم من رفض للاحتلال وممارساته. ذلك الرفض الذي أصبح التعبير عنه، جناية في بعض بلادنا العربية. وبكل أسف فقد أصبح الذين يجرمون التعاطف مع قطر، يجرمون أيضاً، التعبير عن رفض الاحتلال، ومظالمه وانتهاكه للأرواح والمقدسات!
لا يصح أن يمر موقف الرجال، الذي قام به الغانم، دون أن نقارنه، بموقف التخاذل لمندوب السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي، فبينما قام الأول، بطرد وفد دولة الاحتلال، من اجتماع اتحاد البرلمانات الدولية، بكل عزة وشرف، ورجولة، رفض الثاني، أن يجيب عن سؤال حول جرائم الاحتلال في حق أطفال فلسطين.
اللافت، أن مندوب السعودية، حينما تهرب بصورة جبانة من الإجابة عن السؤال، كان يدافع عن جرائم التحالف الذي تقوده بلاده، ضد أطفال اليمن، تلك الجرائم التي استوجبت وضع هذا التحالف في القائمة السوداء!
كما أن السؤال الذي وجهه أحد الصحفيين للمعلمي، لم يكن يتعلق بإحصاءات أو أرقام، أو حادث معين، حتى يحتج المندوب، بقلة المعلومات، وإنما كان يتعلق برأيه، في ما يرتكبه الاحتلال، من جرائم بحق أطفال فلسطين.. فلم يكن الهروب إذاً إلا نوعاً من أنواع الموافقة على الجرائم، أو الخوف من رأي رافض قد يغضب دولة الاحتلال، التي تنسج معها بلاده، وكذا الإمارات، وبقية رباعي الشر، علاقات وردية وودية، استعداداً لدخول مرحلة جديدة، من التآمر والخذلان، على حساب قضية العرب المركزية.
ولعل هذا السبب الأخير، هو ما أدى إلى ظهور ذلك الموقف المريب، من دول الحصار، التي خرج «متصهينوها» من جحورهم، ليدافعوا عن المحتل، وممثله الرعديد، الذي فر أمام غضب الغانم، كالفأر المذعور.
عجيب، بل عيب، أن يدافع عرب، عن الاحتلال، بينما يصفق بحرارة 2300 ضيف و800 نائب يمثلون 150 دولة من شتى أنحاء العالم خلال الاجتماع لموقف الغانم.
على أية حال، فأصوات المدافعين، هي مجرد نقطة سوداء في ثوب تأييد أبيض، لموقف رئيس مجلس الأمة الكويتي، تأييد تجلى في عاصفة من التغريد لنشطاء وسياسيين وإعلاميين، ومواطنين عرب، على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»، جعلت وسم «مرزوق الغانم» يتصدر الترند العالمي خلال ساعات، بعد موقفه الرجولي البطولي.
لقد أفرز هذا الموقف مؤشرات في غاية الأهمية، وهي أن الشعوب العربية، مازالت، ترفض الاحتلال، وتمقت التطبيع مع المحتل، ما لم يكن وفق رؤية عربية مشتركة، واتفاق ينال من خلاله الأشقاء في فلسطين، حقوقهم العادلة كاملة، كالمبادرة العربية.
ولا يُخفى على المنصفين، وليس «المتصهينين»، الذين يقدرون قيمة المواقف، أن ما حدث في قاعة الاجتماع، أصاب الدوائر الإسرائيلية بالارتباك؛ إذ أن ما حظي به موقف الغانم، من تصفيق داخل القاعة، وتأييد حاشد من الشعوب العربية، قد جدد رسالة مهمة، لدولة الاحتلال، تقـــول لهم: إنكـــم مرفـــوضـــون منبوذون، طالما استمر ظلمكم للفلسطينيين، وتواصلت انتهاكاتكم للمقدسات.
ومن الأهمية بمكان، أن نؤكد في هذا المقام، ثبات الموقف القطري، وهو أيضاً موقف الرجال، الذين لا يحيدون عن الحق، ولا يخشون فيه لومة لائم؛ إذ مازالت القضية الفلسطينية تتصدر قائمة أولويات السياسة الخارجية القطرية؛ ولا يمر لقاء دولي أو إقليمي إلا وتؤكد الدوحة مركزية القضية، وضرورة رفع الظلم عن الأشقاء، ونيل حقوقهم المشروعة، في إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، بالإضافة بالطبع إلى الدعم المادي الذي تقدمه قطر للشعب الفلسطيني كله، دون مَنِّ أو أذى.

بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
copy short url   نسخ
21/10/2017
7809