+ A
A -
يحق لكل مواطن قطري، وعربي ولكل مقيم على هذه الأرض الطيبة وكذلك كل صاحب ضمير ورأي حر يعيش الكرامة بأسمى معانيها والعزة بجميع أساميها، أن يتلقى خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، الذي ألقاه صباح أمس، أمام مجلس الشورى، بكل فخر واعتزاز، لما يصاحب عباراته من احترام بالغ ووصف بليغ لمعاني الإنسانية والسلام والعلاقات بين الأشقاء والأصدقاء، وتسجيل المواقف الأخلاقية والوطنية على اعتبارات وأسس الدين الحنيف والخلق القطري الأصيل وهو الذي قال حفظه الله في حق شعبه الوفي:
«لقد عُرف القطريون من قديم الزمان بحسن أخلاقهم وكرمهم وتواضعهم، وإقلالهم الكلام وإكثارهم العمل، ونصرتهم المظلوم».
وهذا النهج القويم امتداد طبيعي لما توارثناه من الآباء والأجداد وما زرعه مؤسس هذه البلاد الشيخ جاسم بن محمد طيب الله ثراه، من صفات حميدة، في بداية تكوين الدولة القطرية، مما يثبت امتداد النهج وثبات المبادئ ووضوح الرؤية على مر الأجيال واختلاف الأزمنة، لتبقى قطر تتعامل بالصدق والنصح والنقا مع الجميع.. وتغيث المحتاج وتنصر الضعيف، حتى أصبحت منارة للحق وكعبة المضيوم.
كما تنشر الشمس ضياءها، والسماء نورها، أشاع صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدفء والأمل والتفاؤل بمستقبل الوطن بكلمات نابعة من قلب عطوف، جُبل على حب الخير والمحبة والعطاء لأبناء شعبه، الذين تابعوا خطاب سموه في افتتاح دور الانعقاد العادي السادس والأربعين لمجلس الشورى صباح أمس.

يُقال إن الزهرة التي تتبع الشمس تفعل ذلك حتى في اليوم المليء بالغيوم، وهذا ما ينطبق على أهل قطر، فقد وقف المواطن والمقيم صفا واحدا، متكاتفين ومتآزرين مع الوطن، الذي نشر لهم الضياء وحقق معهم الرجاء، على الرغم من غيوم الحصار التي حاولت حجب الرؤية عن الحقيقة الواضحة في كبد السماء، لكنها انتهت إلى فشل ذريع وخزي وعار لن يطهره المطر عشرين عام..!

هذا هو حالنا مع شمس الحرية، تميم المجد، الذي جعل العدل والصدق والمصارحة والتعامل الإنساني ديدن سياساته الداخلية والخارجية، وأضاف لها عقدا جميلا متمثلا بالمشاركة الشعبية القريبة، في إطار سعيه الدؤوب لعمل ما يرضي طموحه ويتطلع له الشعب ويستحقه الوطن.
أما دول الحصار فهي تحولت إلى منصات إعلامية تنوح يوميا وتوزع التهم جزافا، وهي أشبه بمجموعة من الديكة المغرورة، تعتقد أن الشمس تشرق كل صباح، لكي تستمع إلى صياحها، وهنا الفارق الكبير بيننا وبينهم، وبين شمس الحقيقة التي لن تغيب، عن الحق والإنجاز، بإذن الله، وبين صياحهم ونياحهم الذي يصم الآذان.. ويثير الاشمئزاز والغثيان.

لم نفقد الأمل يوما، ولم ينل من عزيمتنا شيء، بل كل يوم نزداد قوة وتماسكا ونكتشف قدرات وطاقات جديدة وحلولا بديلة، وكل من استمع لخطاب صاحب السمو بالأمس، سوف يدرك أننا ننعم، ولله الحمد، بكل الأسباب التي تعيننا على الصمود ومواجهة هذه المؤامرة التي نتعرض لها، لمحاولة استغلالنا للنيل من استقلالنا.
خطاب صاحب السمو أمام مجلس الشورى، تناول تداعيات الحصار، على بلادنا، وتصديها له، ورؤيتها للحل واطمئنانها إلى مواقف المجتمع الدولي، وإلى متانة جبهتنا الداخلية في مواجهة ما تم تدبيره في جنح الظلام.. ونستعرضها في السطور التالية:

المحور الأول في الخطاب تناول مدى ما وصلت إليه دول الحصار التي مست بكل شيء: الأعراف والقيم، وصلات الرحم والأملاك والمصالح الخاصة، مقابل موقف قطري واضح لا لبس فيه، يقوم على استعداد الدوحة للتسويات في إطار الحوار القائم على الاحترام المتبادل للسيادة والالتزامات المشتركة، لكن المؤشرات تدل على أن دول الحصار لا تريد التوصل إلى حل، وصارت هذه الدول، كما أوضح صاحب السمو، أسيرة خطابها الإعلامي فلم تنجح المحاولات لمنحها مخرجا منه بالوساطات والحوار.
وكما يبدو، أصبح هذا نهجا لديها، فقد تسرعت في اتخاذ خطوات في بلدان أخرى أيضا، من دون استراتيجية للخروج مما تقحم نفسها فيه، وهو قام أساسا على افتراءات بدأت بقرصنة وتزوير، وانتهت إلى مأزق حقيقي لهذه الدول التي اعتقدت أن في مقدورها، عبر سلوك مسلك المهاترات والإسفاف، أن تنال من قطر وقيادتها وشعبها، لكن هذا السلوك المشين كان دافعا، كما أشار صاحب السمو، لإخراج أفضل ما في شعبنا من الكفاءات وروح التحدي، والإسهام في بلورة هويته الوطنية، وتعزيز تلاحم الشعب والقيادة، وممارسة ضبط النفس والتسامي فوق المهاترات، وكما قال صاحب السمو فإن قطر لا تخشى مقاطعة هذه الدول لنا، فنحن بألف خير من دونها، ونحن كذلك بالفعل.

مقابل هذا المشهد الوطني الرائع في قطر، تواجه دول الحصار أوضاعا في غاية السوء، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وهو ما لا نتمناه بطبيعة الحال، وذلك بسبب التخبط والرعونة، فهذا التهور غير المسبوق والتفحيط السياسي، كان لهما ثمنهما أيضا، وجرت المنطقة برمّتها إلى مستويات من التوتر والاحتقان والانقسام بصورة غير مألوفة، مما يدل على عدم الاتزان وانعدام الرؤية وقلة الخبرة لدى أصحاب القرار في دول الحصار.

لقد أدرك العالم بأسره أن افتراءاتها لا أساس لها ولا سند، وأن محاولاتها ترويج دعم قطر لتمويل الإرهاب لم ينطل على أحد، بدليل أن علاقاتنا، المميزة أصلا مع هذه الدول، أصبحت أفضل وأكثر تميزا، مقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة.

خطاب الأمس جاء أيضا من القلب إلى القلب، كما عودنا صاحب السمو في كل كلماته، وكان في غاية الشفافية والوضوح، عندما أكد أن قطر مستعدة للتسويات في إطار الحوار القائم على الاحترام المتبادل للسيادة والالتزامات المشتركة، لكن سموه أكّد أيضا وبكل صراحة أن دول الحصار لا تريد التوصل إلى حل، تبعا للمؤشرات الصادرة منها، وهذا يعني أن علينا المضي في الطريق الذي سلكناه منذ بداية الأزمة، والذي سمح، كما قال سموه، بإخراج أفضل ما في شعبنا من الكفاءات وروح التحدي، وأسهم في بلورة هويته الوطنية، وعزز تلاحم الشعب والقيادة.

ومع هذه القدرة الفذة على الصمود ومواجهة المخططات والمؤامرات التي تستهدف قطر، إلا أن الواجب الوطني يحتم علينا جميعا اليوم عدم التراخي، وكذلك التحلي باليقظة والانتباه، في مواجهة المحاولات المستمرة لدول الحصار من أجل التدخل في شؤوننا والتحريض بأسلوب بغيض وفكر مريض ومحاولة النيل من منجزاتنا، لكن الشيء الذي يدعو للفخر حقا، هو أن شعبنا أدرك كل ذلك، وصارت محاولات دول الحصار لاستنزافنا تستنزفها هي قبل غيرها، عبر هدر طاقاتها وأموال شعوبها في مهاترات ومؤامرات لا طائل من ورائها، سوى الإضرار بسمعة الخليج وكيان مجلس التعاون.

قبل أن يعرض صاحب السمو موجزا لأوضاعنا الاقتصادية، تقدم بالشكر لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة، على كل ما يبذله من جهد في الوساطة بين دولنا الخليجية، وعبر عن تقديره الخاص لإرادته الصلبة وحكمته وحرصه على مستقبل مجلس التعاون الذي عبر عنه في ندائه التحذيري الأخير يوم 24 أكتوبر لرأب الصدع ووقف التدهور، والذي تجاوبت معه دولة قطر على الفور، كما عبر صاحب السمو عن شكره إلى الدول التي ساندتنا في موقفنا خلال هذه الأزمة. وهذا التقدير لأمير الإنسانية هو تعبير عن رأي الشعب القطري قاله القائد ويستحقه حكيم الخليج.
بعد ذلك تناول صاحب السمو ما تم اتخاذه من إجراءات لمواجهة الحصار، على صعيدين: استيعاب الآثار الاقتصادية السلبية، ومن ذلك مواجهة محاولات النيل من الريال القطري، وإحباطها والمحافظة على الاستقرار المالي واستقرار سعر الصرف وحرية التحويلات المالية، ثم التكيف وتطوير الأداء عبر تنفيذ مشروعات التنمية لتحصين اقتصادنا، وعبر الانتهاء من التشريعات والمراسيم اللازمة لتسهيل الاستثمار، وتقليل البيروقراطية، وتطوير النظام البنكي بما يتوافق مع المهام الكبرى التي نواجهها في المرحلة الجديدة من بناء الاقتصاد والدولة.

لقد تم تحقيق الكثير في زمن قياسي في مجالات النقل الجوي، والنقل البحري، وإيجاد مصادر بديلة للسلع والخدمات التي تأثرت سلباً حتى عادت تلك الأمور بحمد الله إلى ما يقارب مستوياتها الطبيعية، وعلى أسس أوثق مما كانت عليه.

كما أوضح صاحب السمو، في كلمته، أن قطر ماضية في سبيل تحقيق معدلات نمو أعلى في المستقبل، والالتزام في تطبيق الخطط الموضوعة في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة والخدمات، وجاء افتتاح وتدشين ميناء حمد، وعقد العديد من الاتفاقيات مع خطوط النقل البحري الهامة لربط هذا الميناء بمرافئ دولية في تركيا والصين وتايوان وعمان وباكستان وسنغافورة والكويت وأستراليا ليضيف المزيد من الإنجازات على الرغم من بذل دول الحصار جهودا متواصلة لتعطيلها وعرقلتها بوسائل متعددة، بدءا من إجراءات الحصار نفسه، مرورا بالضغط على الدول الأخرى وحتى نشر الشائعات والافتراءات والعمل ضد استضافة قطر كأس العالم عام 2022.

في جانب آخر شدد صاحب السمو على تطوير أنظمة العدالة بما يكفل ترسيخ استقلال القضاء، وعدم إطالة أمد التقاضي، إذ أن العدالة البطيئة كما يقال نوع من الظلم، واتخاذ الاجراءات اللازمة لتوفير كافة الإمكانيات البشرية والإدارية والتنظيمية والتجهيزات اللازمة للمحاكم والنيابة العامة والأجهزة المعاونة، وافتتاح مقرات جديدة لها في أنحاءٍ مختلفة من الدولة، وفي ذلك إشارة مهمة على إيمان قيادتنا الكامل بالعدالة والمساواة، وهو الأمر الذي يظهر جليا في قوانينا وتشريعاتنا، وتحضرني هنا كلمة اللورد فيليبس رئيس محكمة قطر الدولية، خلال جلسة الافتتاح الرسمية لمنتدى قطر للقانون، عندما أكد أن دولة قطر مستمرة في لعب دور مهم في مجال تعزيز سيادة القانون، ليس فقط في المنطقة وإنما في العالم أجمع.
كما نستذكر الموقف التاريخي لصاحب السمو أمير البلاد المفدى في القضية رقم 44 لعام 2011 والمحفوظة في سجلات النيابة العامة، عندما احتدم الصدام بين السلطتين التنفيذية والقضائية في أمر مقيم طالبت الأولى بترحيله والثانية بعكس ذلك، فرفع الأمر لسموه، فاعتمد رأي القضاء وقال:
إنه أهون على نفسي أن أكسر قرار السلطة التنفيذية ولا أكسر حكم السلطة القضائية.

وفي الختام جدد التقدير لشعبنا الأصيل القطري والمقيمين في الدولة، على وقوفهم في وجه الحصار بعزة وكبرياء وسمو الأخلاق، وبالتأكيد فإن ذلك ليس غريبا عن شعب قدوته قيادته، آمن بوطنه، فبادله حبا بحب.
فـ «تميم المجد» الذي قال في مناسبة اجتماعية وبشكل عفوي صادق وكلام نابع من القلب، مخاطبا عددا من المواطنين:
«أبشروا بالعز والخير»، تحول في فترة وجيزة لشعار وطني قاهر لدول لحصار وواقع ملموس ومكتوب.. «ونحن بألف خير بدونها».

بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
copy short url   نسخ
15/11/2017
8156