+ A
A -
إذا تعايش اليهود والبولنديون بسلام، يدفع الفلسطينيون الثمن، وإذا اختلفوا وتصارعوا، يدفع الفلسطينيون الثمن أكثر.
80 بالمائة من يهود العالم كانوا يعيشون في بولندا حتى منتصف القرن السادس عشر. ومعظم يهود فلسطين اليوم هاجروا من بولندا.
اليوم ينفجر صراع بولندي– يهودي جديد على خلفية عنصرية؛ فالبرلمان البولندي، بتوافق مع الحكومة، أقر تشريعاً جديداً يعاقب كل من يستخدم عبارة «المعتقلات البولندية» في إشارة إلى المعتقلات التي أقامها الألمان النازيون خلال الحرب العالمية الثانية في إطار مشروع «الحل النهائي» للقضية اليهودية: الهولوكوست.
اعتبرت إسرائيل التشريع الجديد تزويراً للتاريخ؛ فالتاريخ اليهودي يحمّل البولنديين جزءاً من المسؤولية، صحيح يقول الإسرائيليون إن بعض البولنديين قاوموا النازية وساعدوا اليهود، إلا أن الأكثرية منهم كانت معادية لليهود، ومتعاونة مع النازية في مشروع تصفيتهم.
هذا الصراع الإسرائيلي– البولندي يعني هجرة يهودية جديدة إلى إسرائيل!!
خلال الحرب العالمية الثانية قتل 20 بالمائة من الشعب البولندي، أي نحو 6 ملايين إنسان.. وكان بينهم 3 ملايين يهودي، أي ما يعادل 90 بالمائة من يهود بولندا في ذلك الوقت، وقد جرت تصفية كل هؤلاء في معسكري اوشفيتز وتريبلينكا.
بعد الحرب هاجر معظم اليهود الباقين إلى فلسطين، وشكلوا النواة الإسرائيلية، سياسياً وعسكرياً وفكرياً.
عندما وقعت حرب يونيو 1967، كانت بولندا جزءاً من منظومة الاتحاد السوفياتي السابق، وكانت ملتزمة بالخط السياسي العام للكرملين، ولذلك اتخذت موقفاً معادياً من إسرائيل، وقطعت العلاقات معها.
وتبعاً لذلك ارتفعت من جديد موجة العداء ضد اليهود، فهاجر الآلاف منهم (عشرة آلاف) إلى إسرائيل، ونتيجة لذلك انخفض عدد اليهود في بولندا إلى بضعة آلاف فقط.
وفي عام 1989 انهار الجدار الحديدي، وسقط الاتحاد السوفياتي وعادت العلاقات بين إسرائيل وبولندا، أدى ذلك إلى خروج الحركات اليهودية في بولندا إلى السطح.. وفي محاولة «لتصحيح» التاريخ اليهودي في بولندا أعدت دراسات تؤكد اتهام البولنديين بالتواطؤ مع النازيين ضد اليهود.
صحيح أن إسرائيل تعترف بأن هناك 6706 بولنديين قتلوا على يد النازية على خلفية حماية اليهود ومساعدتهم، إلا أنها تدّعي أن هؤلاء كانوا خلاف القاعدة، وأن القاعدة كانت المساعدة إلى حد المشاركة في عمليات التصفية الجسدية لليهودية.
أدى هذا الادعاء إلى الربط من جديد بين معسكرات تصفية اليهود في بولندا بالدولة البولندية، وهو ما حمل الحكومة ومجلس النواب على وضع التشريع الجديد الذي يعتبر هذا الربط جريمة وطنية يعاقب عليها.
ويترافق مع صدور القانون الجديد، حملة إعلامية واسعة تتبنى القرار وتدافع عنه، ولكن بأسلوب اعتبره اليهود عنصرياً ومحرضاً عليهم.
لم يبقَ اليوم من اليهود وفي بولندا سوى عشرة آلاف فقط، ومن شأن الصراع المتجدد أن يحمل هؤلاء أيضاً إلى الهجرة إلى إسرائيل؛ حيث يدفع الفلسطينيون بهجرتهم الثمن مرة جديدة!!
فالمهاجرون الذين يحملون الحقد ضد الشعوب التي اضطهدتهم، لا يجدون أمامهم في المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة، سوى الشعب الفلسطيني للانتقام.
تقسمت بولندا في تاريخها الحافل بالمعاناة، ثلاث مرات، بين روسيا وألمانيا والنمسا، ولم تحصل على استقلالها إلا بعد الحرب العالمية الأولى.
ومن بولندا انطلقت الحرب العالمية الثانية عندما قامت القوات الألمانية بغزوها بحجة استرجاع مناطق تعيش فيها أكثرية ألمانية. ولكن العملية لم تنته باسترجاع تلك المناطق، ففتكت القوات النازية باليهود الذين كانوا يشكلون مجتمعاً موازياً اعتبرته ألمانيا خطراً عليها.
يقول البولنديون اليوم إنهم ليسوا مسؤولين عما ارتكبه النازيون من جرائم، وإنهم كانوا ضحايا تلك الجرائم أيضاً، ولذلك يعتبرون اتهامهم بالتواطؤ المباشر أو غير المباشر عملاً معادياً، ويكون التواطؤ غير المباشر بتسمية معتقلات التصفية، معتقلات بولندية.
تردّ إسرائيل بأن ذلك تزوير للتاريخ وأن التواطؤ كان حقيقياً وليس افتراءً، وأن البولنديين شاركوا النازيين وعليهم أن يواجهوا الحقيقة وأن يدفعوا الثمن.
ولكن الثمن يدفعه الفلسطينيون بمزيد من الهجرة اليهودية من بولندا!!

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
29/03/2018
45497