+ A
A -

في ذكرى نجيب محفوظ نتذكر بعض وصاياه للشباب العربي التي عبر عنها في كتابات ولقاءات صحفية عديدة تحدث فيها عن ماذا علمته الحياة، وماذا استفاد من تجارب أكثر من تسعين عاما قضاها مشتبكا مع الناس ومع الأحداث ومع مفكري عصره.
أول وصية نجيب محفوظ هي «النظام» وأن يعيش الإنسان وفق نظام معين يساعده على تحقيق هدفه ولا يترك نفسه للصدفة والتلقائية فيضيع وقته وتتسرب الأيام والسنين بدون عمل أو إنجاز. ويقول عن تجربته: أنا منظم، والسبب في ذلك أني عشت حياتي كموظف وأديب، ولو لم أكن موظفا لما اتخذت النظام بعين الاعتبار وكنت مثل بعض الناس، سأفعل أي شيء في أي وقت أو أقضي الوقت دون أن أفعل شيئا، ولكن الوظيفة دفعتني إلى النظام بحيث أنام في وقت معين، وأستيقظ في وقت معين، وأكون في الوظيفة في ساعة معينة، ويبقى لي من اليوم ساعات معينة على أن أستفيد بها في الراحة والترويح والتزامات الأسرة وفي العمل الأدبي أيضا. وإذا لم أتمسك بالنظام فسوف أفقد السيطرة على الوقت، وبالنظام عودت نفسي على ساعات معينة للكتابة، وساعات للقراءة، وساعات في أيام معينة للأصدقاء، ومع الزمن اعتدت على الحياة وفق نظام، فأنا أكتب عادة لمدة ساعتين ولا أذكر أني كتبت أكثر من ثلاث ساعات.
ويفسر نجيب محفوظ أسباب التزامه بالنظام قائلا: إن العمر قصير مهما طال، وآمال الإنسان وقدراته أكبر من أن يكفيها هذا الوقت، ونحن نعيش في عصر المعلومات والثورة التكنولوجية في الاتصالات، والسنوات تمضي بسرعة، والنجاح في الحياة يحتاج إلى جهد كبير وهائل، قبل ذك كانت الوسائل محصورة في الإذاعة والتليفزيون والصحف، واليوم أصبح المحيط الذي يتدفق بالمعلومات أكبر بكثير عما كان في السابق بل أصبح لا حصر له، ولهذا فإن النظام والانضباط لا بد منهما وإلا فإن الإنسان سيصبح كل همه أن يدق على أزرار ويعرف ماذا يحدث هنا وهناك.. يدق ويسمع، ويدق ليرى.. ويضيع كل وقته في التلقي ولا يجد عنده وقتا لشيء آخر، لهذا لا بد أن ينظم الإنسان وقته بحيث يستفيد من هذا المحيط من المعلومات دون أن يفقد قدرته على مطالب الحياة والعمل الأخرى، ولذلك أنصح بالتركيز على تربية العقل البشري بحيث يكون قادرا على الانضباط وعلى الاختيار وعلى التفكير ومناقشة ما يراه وما يسمعه ولا يستسلم لطوفان المعلومات دون تدقيق.
ونصيحة نجيب محفوظ للشباب أن يأخذ من الثقافة العربية والإسلامية، ومن التراث وبخاصة كتب التراث الأساسية وفيها ذخائر وجواهر من الفكر والقيم ويأخذ أيضا من مصادر الثقافة العالمية ويراعي التوازن لكي يظل عقله عقلا عربيا بتكوينه وتفكيره.
ومن نصائح نجيب محفوظ للشباب العربي أن يحرصوا على القراءة الجادة ويفرقوا بينها وبين الكتابات السطحية التي ليس لها عمق فكري يضيف إلى رصيد الإنسان الثقافي ويساعده على تنمية شخصيته، خاصة ونحن نعيش في عصر العولمة وفيها الخطر على الهوية العربية والإسلامية وعلى الطبيعة الخاصة للإنسان العربي.
بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
31/03/2018
59128