+ A
A -
سمير الزبن كاتب وروائي فلسطيني
من أهم مصادر الصراعات الكامنة في العالم المعاصر الزعم أن الناس يمكن تصنيفهم تصنيفاً متفرداً مؤسّساً على أساس الدين أو الثقافة. ويمكن للاعتقاد المضمر في القوة المهيمنة لتصنيف انفرادي أن يجعل العالم قابلاً للاشتعال في لحظةٍ يمتد حريقها إلى بنياتٍ اجتماعية متجاوزة للمشترك، فهي لا ترى لا المشترك الوطني، ولا المشترك الإنساني، وتصبح منتجةً لوحشيةٍ لا حدود لها.
القتل الوحشي هو من «الآثار المروّعة لتصغير الناس»، فهذا التصغير هو الذي يجعل الآخرين أقل قيمةً من الذات، ويرفع من شأن الذات إلى حدودٍ تمنحها الحق في ارتكاب الجريمة الوحشية، والتعامل معها بوصفها إنجازا وطنيا، والقناعة الراسخة أن أي مساءلة وعقاب على هذه الجرائم لن يحدث.
يمكن للشعور بالهوية أن يكون مصدراً للفخر والقوة والثقة بالنفس، عندما تكون هوية متكاملةً ومنفتحة، وترى الآخر من موقع المساواة مع الذات، تبدأ من تلك الدعوة إلى «محبّة الجار»، وصولاً إلى تلك النظريات الكبرى للرأسمال المجتمعي المشترك بين المواطنين الذين يشغلون الأماكن والحقول ذاتها، ولكنه، من جانب آخر، يمكن للهوية أن تقتل بوحشيةٍ وبلا رحمة، حيث يمكن لشعور قوي ومطلق بانتماء إلى جماعةٍ واحدةٍ أن يصنع مسافة للبعد والاختلاف عن الجماعات الأخرى، ويُحدث جدراناً لا يمكن هدمها، فالتضامن الداخلي لجماعةٍ ما يمكن أن يغذّي التنافر بينهما وبين الجماعات الأخرى.
التحريض على العنف يحدث بفرض هوياتٍ انعزالية ومغلقة وعدوانية، لا ترى في الآخر سوى عدو يجب القضاء عليه، هذه الهوية المنتجة لوحشيةٍ لا حدود لها يمكن إنتاجها في ظل صراع سياسي، يسعى أحد أطرافه إلى تطييفه، لأن هذا التطييف يخدمه في الصراع السياسي، ويوحد طائفته حوله، ويترافق ذلك مع تعظيم هوية الذات، وتصغير الآخرين، لتسهيل ممارسة الوحشية عليهم، وإخراجهم من دائرة الاشتراك معهم في الإنسانية، أو في المواطنة، وقد تلجأ السلطات التي تجد نفسها على طريق السقوط إلى تأجيج هذه الهويات القاتلة، وتوظيف اختزالها البشر في شيطنة الآخرين، وفتح الباب أمام ارتكاب المجازر الوحشية ضدهم.
{ عن (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
14/08/2019
432