+ A
A -
بقلم د. أسامة المريخي
لا يزال الأدب والشعر يمثلان الحالة الفريدة التي لا يمكن تجاوزها حين الحديث عن ماضي الأوطان وهوّيتها الحضارّية، إذ يظل الأدب والشعر، الملهم الأول والأهم لكل المبدعين والمثقفين، وقطر، مثلها مثل كل الشعوب والأوطان، بلد غني بتراثه وموروثه الشعبي وأبنائه المبدعين، لذا لم يكن غريباً وأنا أطالع الإنتاجات الفكرية والثقافية المعروضة في معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الرابعة والأربعين والذي استضافته الكويت في نوفمبر الماضي، أن أجدني منجذباً بشكل خاص لأحد مؤلفات الشاعر والباحث القطري علي عبدالله الفياض، والذي أعتبره من المثقفين والباحثين المهتمين بقضايا الأدب والشعر ذات الصلة الوثيقة بالتراث الشعبي، والذين يمتلكون لغة وقدرة على توظيف الكلمات لتسكن سحر الصورة وفق قواعد القول الشعري المراد، ولعله من المناسب أن أفصح عن أسباب اختياري لكتابه «زهيريات الفياض» تحديداً للحديث عنه، فالحقيقة أن ما استفز كوامن الرغبة لدي في اقتناء هذا المؤلف قول الفياض نفسه في مقدمة كتابه «رغم صعوبة نظم الموال وصرامة شروطة، إلا أنني تغلبت على ذلك، وأخذت أنظمة بشيء من التمكن والإتقان والإجادة» عبارة تعكس هذا التحدي والقدرة لشخصية طامحة تواقة باحثة عن المختلف والجديد، حريصة على تقديم نتاجها الفني كجسر للتواصل مع القارئ العربي الذي وربما بسبب الزخم الثقافي الحالي ومتغيراته توقف عنده أو طمس بتعبير أدق «فن الموروثات الشعبية» ؛ كذلك كان اختيار الفياض لعنوان الكتاب هو أيضاً بنظري اختياراً موفقا فالزهيريات أو(الزهيري) نعرفة نحن بالخليج كفن شعري موروث من الآباء والأجداد اشتهر بطابعه الخاص على سفن الغوص وبين الغاصة للتعبير عن آلام البحارة والتخفيف من معاناتهم ومشاق رحلاتهم الطويلة، قدم الفياض للقارئ وعبر ستين موالا منتقاة مشاهد (زهيريات) متنوعة ودلالات خصبة من المواويل التي حملت بين جوانحها العواطف والمشاعر المتباينة (أفراحاً وأحزاناً سروراً ورضاً وغضب)، أيضاً الفياض من المهتمين بشكل موسع بتحقيق الأعمال الشعرية الشعبية لا بقطر فحسب بل استوعبت بعض أعماله مناطق ودولا عربية وخليجية أخرى، أذكر له في هذا الدرب «الشيلات القطرية» و«من أفواه الرواة»، و«ذاكرة الذخيرة» وبنظري أن زهيريات الفياض الأخيره كانت تنطلق في الأساس من نظرة أكثر إشراقا إلى مهمة الشعر والموال ودور الشاعر في ما يقدم من رسالة للثقافة والإنسانية معاً، قرأت هذا (الحدس) تحديداً بزهيرية «شايف الذات» و«أحباب» و«قلبي يحب الشمل» و«نبع الوفا» و«بلاد الكوت» و«الموت» وغيرها من الزهيريات التي حملت الوضوح والعمق والأصالة في هذا الكتاب.
أخيراً، ليسمح لي الزميل والباحث الشاعر علي عبدالله الفياض أن أقتبس من زهيرياته شطراً من موال «فكري تفجر» والذي يقول فيه «فكري تفجر وفي معنى الشعر داير» بالفعل الفياض هنا يؤكد لنا أن مشاهد مواويله (المتفجرة من فكره) تتبنى عالمها من ذاكرة الرواة وجذور الثقافة والهوية الخليجية لتروي ظمأ الرحيل نحو كلمات تحقق للصورة التخيلية درجات عالية من الشفافية والعمق، الفياض نجح بالفعل أن يعيدنا إلى أروقة تراث الشعر الشعبي بفضاءاته ومراياه عبر دواخل إنسانية تتحسس تراثنا وهويتنا وبيئتنا بكل ما فيها من سكينة وحب ورحيل وحزن، وهو أمر لا شك لا يتيسر للكثيرين من كاتبي الشعر ومرتادي أروقته.
copy short url   نسخ
08/12/2019
813